أحببتها يومَ عُرسها فأنكروا عليّ ذلك.
كانوا يودّون لو أنّني أحببتها قبل أن تعرس.
ولكنّي ما رأيتها من قبل بهذا الجمال والنقاء والجاذبيّة.
لم أكترث بكلّ من منعني من الاقتراب منها..
أسرعت الخطى نحوها؛ لآخذ بيدها..
"هل تسمحين لي يا سيّدتي أن أكون خادماً لكِ ومُعِيناً؟"
شهق كثير من الحاضرين، وعَبّروا بكلّ الطرق عن اندهاشهم واستهجانهم لفعلتي.. هدّدوني، توعّدوني، وحذروني من سوء العاقبة، وأمروني أن لا أقترب منها، وأن لا أعينها أو أقدّم لها أيّ خِدمة، ولكنّي أبيت.
نظرتُ لها نظرة المُحِبّ العاشق ثمّ همستُ في مسمعها: "أتعلمين؟ لم أتخيّل أبداً أنّ اللّون الأخضر يُمكن أن يكون مناسباً للحسناء يوم عُرسها، ولكنّي الآن أيقنت أنّه اللون الأجمل والأرقى والأكثر جذباً وإشراقاً".
هنا أدركت أمّي الخطر الواقع عليّ، وتقدّمت في خوف واضطراب لتتناول يدي التي ما زالت ممدودة لمحبوبتي.
ثمّ قالت: هيّا معي يا بنيّ.
ولكني يا أمّ أحبّها وأريدها..
وأنا أحبّك يا بنيّ ولا أستطيع الاستغناء عنك، سيسجنوك أو يقتلوك أو يعذّبوك.. انظر لعيونهم الحاقدة ترمقك..
نظرتُ فإذا بالفتاة التي تحاول دائماً جذب انتباهي وغوايتي، ومن حولها عائلتها التي تعينها على المنكر يرمقوني بعين الحقد والغضب والوعيد؛ فهمست لي أمّي وأنا أنظر إليها: ما رأيك أن ترضى بها عروساً لك بدلاً من حسناء الأخضر؟ ستهنأ في عيش رغيد وسيقدّم لك أهلها الغالي والنفيس وستكون معهم كالملوك فكّر في الأمر يا بنيّ وأرح قلبي من الخوف عليك.
نظرت لأمّي نظرة المندهش المُغْضَب: وهل يا أمّ ينظر الرّجل لمالِ عروسه أم يقدّم هو لها المال وكلّ غال؟
إنّك قد أنجبتِ رجلاً شجاعاً لا يغرّه مال أو جمال أو سلطان.
أنتِ تعلمين جيّداً لماذا أحببتُ حسناءَ "الأخضر" دون سواها ولن أرضى بخدمة غيرها مهما كان..
انظري يا أمّ لإشراقتها وطلاقة وجهها والنّور الذي يشعّ به قلبها وجمال أخلاقها..
وقبل أن أكمل وصف محبوبتي أطفأ أحدهم النّور.
ولكن برغم الظلام لم أتوقف عن وصفها.
وهل ترضى صاحبة الخُلقِ أن يراها الرّجال يوم عرسها؟
بل إنّها كانت أمام ناظري رُوحاً جمّل وجهها حُسن فعلها وقولها ومبدئها.
لقد سترت نفسها بالأخضر كي تُعرف فلا تؤذى وتبقى عزيزة شامخة أمام كلّ عابث، تربت يدُ الأخضر فقد ظفر بذات الدّين، وإنّني في خدمة محبوبتي والأخضر ما داموا على الحقّ ظاهرين.
والغريب أنّ للعزة من اسم محبوبتي نصيب..
فليس بين "غزّة" و"عزّة" إلا نقطة أخفاها الظلام..
بل إنّها عزّة أظهرها الظلام.. عزّة أمام كلّ العابثين والحاقدين والمفسدين..
وهي أيضاً عزّة تعجز معها كلماتي أن تعبر عن مدى الآلام التي تُلِمّ بمحبوبتي، كيف لا وهي مكلومة تَهُبُّ من حولها العواصف؟ كيف لا ومحبوبتي لا تجد من يُسرج لها قناديلها، أو يُضمّد لها جراحها؟
محبوبتي في يوم عرسها تبعث النور والأمل، ترسم طريق الحق من بين زوابع الباطل، تُمسك بعِقدها لترى الحقيقة كعين الشمس، ولِتَصْفُ لها ساعة من العيش.
تلكم هي قصّتي؛ فهلا ساعدتموني على إشعال النّور لمحبوبتي؟